لم يمر أسبوع واحد تقريبا على إصدار مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين أوامره بالعفو عن كمال بن حيدرة المحكوم عليه بالإعدام ورفاقه من البهائيين، حتى أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة الواقعة تحت سلطتهم أيضا حكما بإعدام أربعة من الصحافيين المحتجزين لدى السلطات الحوثية منذ العام 2015. وكانت السلطات الحوثية قد حاولت أن تلمع صورتها من خلال هذه الأوامر العليا الساعية إلى إطلاق سراح البهائيين المحتجزين ظلما لديها ولكن هذه الأوامر لم يتم تنفيذها حتى الآن رغم المناشدة بتطبيق قرارات العفو والإفراج.
بضعة أيام بين حكم الإعدام ضد بن حيدرة وبين حكم الإعدام على الصحافيين الأربعة وبينهما أوامر بالإفراج عن المعتقلين البهائيين، وفي الوقت نفسه أوامر معطلة. وهذا يعكس مدى التخبط الذي تمارسه المليشيا الحوثية، وما يعكسه ذلك على المجتمعات وعلى الحريات بكل أشكالها دينية وإعلامية.
وفي صباح الحادي عشر من أبريل 2020 وفي ظل الأجواء العالمية المشحونة بالقلق والتوتر من جراء تفشي وباء كورونا المستجد كوفيد 19 يبدو أن السلطات الحوثية غير مكترثة بكل ذلك فقد أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة اليمنية صنعاء أحكاما بالإعدام والسجن على عشرة صحفيين بعد اعتقال دام أكثر من خمس سنوات. وقد انعقدت المحاكمة برئاسة القاضي محمد مفلح في جلسة النطق بالحكم من دون معرفة المحامين أو حضور أي منهم، وجاء الحكم ناطقا بإعدام كل من عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حميد، وتوفيق المنصوري. كما أدانت المحكمة كلا من هشام طرموم، وهشام اليوسفي، وهيثم راوح، وعصام بلغيث، وحسن عناب، وصلاح القاعدي، والحكم عليهم بالسجن، على أن يُكتفى بالمدة التي قضوها في السجن، مع بقائهم تحت رقابة الشرطة لمدة ثلاث سنوات.
وكانت أدوات إعلام حوثية قد وصفت هذه الأحكام بأنها ضد مجموعة من الصحافيين الذين يعملون جواسيس للعدوان بحسب وصفهم، ولكن بمراجعة وثيقة الاتهام التي دفعت بها النيابة العام يتبين أنه لا أسس ولا أدلة على هذا الادعاء، وأنها مجرد اتهامات بطالة وفضفاضة ويمكن تلبيسها لأي شخص مختلف معهم، حيث جاء في وثيقة الادعاء بأنهم: “من خلال الفترة 1/1/2014 إلى 28/8/2015 ادعوا أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة ومغرضه ودعايات مثيرة بقصد إضعاف قوة الدفاع عن الوطن وإضعاف الروح المعنوية في الشعب وتكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة وكذلك بأن أنشأوا عدة مواقع وصفحات عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وأداروها خفية في عدة فنادق بأمانة العاصمة وأذاعوا فيها الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة والمغرضة والمثيرة المؤيدة والمساندة لجرائم العدوان السعودي وحلفائه ضد الجمهورية اليمنية وكان من شأن ذلك إلحاق الضرر بالاستعدادت الحربية للدفاع عن البلاد والعمليات الحربية للقوات المسلحة وعلى النحو المبين تفصيلا في المنشورات المفرغة من كمبيوتراتهم وهواتفهم والمضبوطة بحوزتهم أثناء ارتكاب الجريمة”.
ويتبين من خلال هذه الدعوة أن الحكم يعد انتهاكا صارخا لحقوق التعبير وأن الجريمة ضد هؤلاء الصحفيين هي جريمة ضد حريات التعبير وأن الأمر لاعلاقة له لامن قريب ولا من بعيد بالتجسس، فكل ما في الدعوى يشير إشارة واضحة إلى أن مشكلة السلطات الحوثية التي أطلقت هذه الأحكام هي مع المنشورات ومع ما يكتبونه وأنها تفسر اختلافهم معها في مضمون تلك المنشورات ومن ثم توظف القضاء والقانون للنيل من المختلفين معها.
خمس سنوات من الاعتقال والتعذيب والاحتجاز التعسفي وحرمان مجموعة من الشباب الصحافيين المختلفين معهم من أبسط مقومات الحياة تختمها بالحكم الجائر بالإعدام، وفي الوقت نفسه الترويج لهذه المعلومات المضللة ومن خلال مؤسسات الدولة القضائية والقانونية من أجل تسويغ هذه الاحكام الجائرة وهو ما يعني إعدام لحرية التعبير وفي الوقت نفسه إعدام لمنطق التعامل مع هذه القضايا بطرق قانونية واضحة.
وكانت منظمة العفو الدولية قد نددت بتلك الاعتقالات التعسفية وما يحصل أثناءها من انتهاكات مبينة أن الصحفيين العشرة المحتجزين منذ صيف 2015، إنما تتم محاكمتهم بتهم تجسس ملفقة بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير. ووضحت المنظمة أنه خلال فترة احتجازهم، اختفى الرجال قسراً، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي على فترات متقطعة، وحُرموا من الحصول على الرعاية الطبية، وتعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. ففي إحدى الحوادث التي وقعت في 19 أبريل 2018، دخل أحد حراس السجن زنزانتهم ليلاً، وقام بتجريدهم من ملابسهم وضربهم ضرباً مبرحاً، وذلك وفقًا لمصادر موثوقة. وقد احتجزوا رهن الحبس الانفرادي منذ ذلك اليوم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحكم الحوثيون فيها بالأعدام على الصحفيين ففي مثل هذا الشهر من عام 2017 أصدرت المحكمة المختصة في صنعاء حكما بالإعدام على الكاتب والصحفي يحيى الجبيحي بعد 8 أشهر من الاعتقال التعسفي بدون أي ذنب تم ارتكابه إلا أنه لم يكتب تأييدا لسلطتهم.
يناشد مركز إنصاف السلطات الحوثية بأن تراعي حتى القيم الدنيا للحق في الحرية، وأن تحترم مبادئ حقوق الإنسان في الحياة والتعبير والاعتقاد بدون انتهاكات ولا مضايقات. وأن تطلق سراح الصحافيين المعتقلين في سجونها بعد كل هذه السنوات التي قضوها في ظروف احتجاز غير آدمية، وأن تلغي أحكام الإعدام غير العادلة الصادرة في حقهم.
كما نناشد المنظمات الدولية وصناع السياسة والدبلوماسيين الفاعلين في السياسة اليمنية ومن لهم قدرة على ممارسة الضغط على الحوثيين من أجل إنقاذ الصحافيين المحتجزين وإلغاء أحاكم الإعدام الجائرة، وأن يتم إطلاق سراحهم في أسرع وقت ممكن، فممارسة الابتزاز السياسي بالصحافيين والنشطاء وأفراد الأقليات لن يخدم أحدا بقدر ما يخسر الحقيقة والحرية والمستقبل للمجتمع بشكل عام.