المهمشون

من هم المهمشون:

المهمشون هم فئة من المجتمع اليمني، ويُطلِق عليهم المجتمع لفظا سلبيا وهو “الأخدام”، وهي الفئة التي تعرضت وما زالت تتعرض لأكبر استهداف وتمييز وعنصرية ممنهجة عبر التاريخ، إذ لم يتم معاملتهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية فقط، بل ربما يمكن القول إن الوضع يصل في بعض الأحيان إلى اعتبارهم غير مواطنين أصلا.

يعيش المهمشون على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في اليمن، وهو الأمر الذي دفعهم إلى الانزواء والعيش في تكتلات بشرية شبه منعزلة، ويعيشون غالبا في تجمعات استيطانية تتكون من الأكواخ المبنية من القش أو الصفيح أو غيرها من المواد الرخيصة، حيث يبنون ما يشبه الأعشاش التي لا تنقذهم من برد ولا تحميهم من حر، لاسيما في المناطق شديدة الحرارة، حيث يسكنون بكثرة في المحافظات التي تتميز بحرارتها العالية، مثل الحديدة وعدن ولحج وأبين وحضرموت. كما أنهم عرضة للأمراض والأوبئة الفتاكة؛ نتيجة للوضع المزري الذي يعيشونه بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا وسائل وقاية، ولا غذاء نظيف، ولا نظام صرف صحي، كما أنهم محرومون من الخدمات الصحية والتعليمية.

عدد من أطفال المهمشين بجوار منازلهم المصنوعة من القش وبعض الحجارة

 نبذة تاريخية:

وعلى الرغم من وجود أقليات يمنية أخرى على أسس دينية وطائفية، فإن هذه الفئة من المجتمع اليمني هي الفئة التي يتم تهميشها وممارسة العنصرية عليها على أساس اللون والعرق. وعلى الرغم من أنه لا تُعرف بداية التواجد التاريخي لهذه المجموعة فإنها قد عاشت منذ قرون في هذا البلد، ومع ذلك لازالت تعتبر منقوصة في يمنيتها، بل وفي إنسانيتها أيضا، إذ يتعامل المجتمع معها معاملة لا إنسانية –غالبا-.

ويعتقد كثير من فئة المهمشين أنهم من أصول يمنية من منطقة زبيد، بينما تذكر المصادر التاريخية أنهم بعض من بقايا الجنود الإثيوبيين الذين غزوا اليمن سنة 525م، وأصبحوا فيما بعد عبيداً للدولة الزيادية في مدينة زبيد. فقد حكمت سلالة بنو نجاح زبيد منذ عام (403 – 553هـ / 1012- 1158 م)، وهي الدولة التي أسسها الأمير نجاح، مولى مرجان الحبشي حاجب أمير بني زياد فأعلن نفسه سلطانا على تهامة، ومن ثم قام النجاحيون منذ توليهم سدة الحكم في زبيد والسهل التهامي باستجلاب مزيد من أبناء قومهم الأحباش، وقاموا باضطهاد السكان الأصليين من اليمنيين، فنهبوا الممتلكات واتخذوا العرب من اليمنيين عبيداً، كل ذلك جعل الأهالي يشكلون مجموعات مقاومة ضد الدولة النجاحية بقيادة علي بن مهدي الحميري الزبيدي انتهت بإسقاط دولة النجاحيين، فقد حكم عليهم بأن يكونوا خدماً لدولته، كما أجبرهم على جعل منازلهم في أطراف المدن والقرى، وهو أول من أطلق عليهم كلمة (أخدام) لأول مرة في التاريخ اليمني.

إن كل هذه الروايات التاريخية، سواء تلك التي تنسبهم إلى أنهم من بقايا الهجرات من القرن الأفريقي، أو أنهم كانوا جزءا من جنود الحملة الحبشية على اليمن، أم تلك الروايات التي تقول إنهم من أصول يمنية تحمل اللون الأسود، فإن كل ذلك لا يلغي حقيقة أنهم موجودون في هذه الأرض منذ مئات السنين، حيث تعاقبت الأجيال منهم جيلا بعد جيل، لكن المشكلة أنهم يتوارثون العنصرية والازدراء من قبل المجتمع الذي يعاملهم على أنهم طبقة منبوذة من قبل كل الطبقات الأخرى.

صورة من مطلع أربعينيات القرن العشرين لأحد مساكن المهمشين، والذين كانوا يتخذون من الكهوف بالجبال القريبة من صنعاء منازل لهم

التركيبة السكانية للمهمشين:

لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد المهمشين في اليمن؛ لعدة أسباب: أولها، أنه لا يوجد نظام فعال (من الوزارات والمكاتب الإحصائية الحكومية المختصة) يجمع كل البيانات الإحصائية والبيانات الأخرى عنهم، كما أن النظام الإحصائي عام وغير مفصَّل. والثاني أن الإحصاءات الرسمية متوقفة منذ آخر تعداد في اليمن في العام 2004 والسبب الثالث، هو أنه حتى تلك الإحصاءات لم تقدم أي بيانات تتعلق بالعرق أو الدين.

توجد تقديرات مختلفة حول عدد مجتمع المهمشين في اليمن، منها ما يشير إلى أن هناك ما بين 500000 و3.5 مليون شخص، أي ما بين 1.8٪ و 12.7٪ من السكان وهي نسبة كبيرة جدا، فمع مستوى الخصوبة العالي في هذه الفئة، يمكن أن تشكل نسبة كبيرة من سكان الجمهورية اليمنية في فترة وجيزة.

الوضع الاجتماعي:

يشكل المهمشون أشد الفئات فقراً في البلاد، ومن النادر العثور على أحدهم في وظيفة أخرى خارج أعمال النظافة التي تأنف باقي الفئات الاجتماعية من الاشتغال بها.

كشفت دراسة مسحية لمجتمع المهمشين في اليمن أعدتها اليونيسيف، شملت 9،200 أسرة (51،406 شخصًا) عن ارتفاع مستويات الفقر، مع انخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس. وكشفت عن أن الظروف المعيشية للأسرة سيئة للغاية، وأنها تعاني من ضعف الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية. وبينت الدراسة أن واحدا فقط من كل خمسة أشخاص ممن بلغت أعمارهم 15 عامًا فأكثر يستطيعون القراءة أو الكتابة، ولا يتم تسجيل سوى طفلين من كل أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و17 عامًا في المدرسة، كما أن تسجيل المواليد منخفض، حيث يبلغ 9% فقط. وبالنسبة إلى السكن فإن ثلاثة أرباع الأسر التي شملها المسح تسكن في غرفة واحدة فقط، كما أن نصف الأسر يعتمد على مصادر المياه الخارجية مثل السدود والجداول، أو الآبار، وأقل من العشر فقط يحصل على المياه من مشاريع المياه الرئيسية. وأن اثنين فقط من بين خمسة منازل وجد أنها تحتوي على مرحاض. وعلى الرغم من أن ثلث مواطني البلاد يحصلون على مساعدات من الشؤون الاجتماعية، فإن هذا المستوى ينخفض إلى خمس أسر من المهمشين فقط، فإذا كانوا يتجرعون الفقر بسبب التهميش، فإنهم يعانون من التهميش أيضا حتى في المساعدة التي تُقدم للفقراء، إذ يُقدم الفقراء والمحتاجون من بقية المجتمع على فقراء هذه الفئة.

مظاهر العنصرية ضد المهمشين:

يتمثل المظهر الملحوظ للعنصرية ضد المهمشين في التعصب والتحيز ضدهم في تعاملات الفئات الأخرى معهم، لاسيما من ذوي البشرة البيضاء، ويأتي هذا التعصب على صور مختلفة، منها إهانتهم لفظياً بدءًا من التسمية المهينة “الأخدام”، التي تأتي من الخدمة والعبودية، فالخادم هو العبد، ولا تقتصر على الكبار فقط، لكنها تشمل حتى الأطفال في الشارع والمدرسة وفي كل مكان، وهي بمثابة اللعنة التي تذكر المنتمي إلى مجتمع المهمشين بأنه لا يمت بصلة إلى هذا المجتمع، فعلى هذا الأساس اللغوي تنسحب وتبنى الكثير من التحيزات المجتمعية ضدهم.

أما التهميش السياسي فيتمثل في غياب المهمشين عن أي دور سياسي أو إداري، ووجودهم فقط في شكل عمال النظافة، وعلى الرغم من مشاركة ممثل المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني الذي أجري في اليمن برعاية الأمم المتحدة بعد تنحي علي عبدالله صالح عن السلطة في 2012، وبرغم مطالبة رئيس اتحاد المهمشين الذي كان عضوا في مؤتمر الحوار بتخصيص 10% من الوظائف للمهمشين فإن المسودة النهائية للدستور خلت من أي كوتا تخصهم، ما يعني أن المجتمع حتى وإن بدأ باستيعاب مفاهيم العنصرية فإنه لم يضع حتى الآن أسسا ليتجاوزها في المستقبل؛ لأن هذا المجتمع الذي يفخر بشكل فج بانتمائه القبلي مازال ينظر إلى هذه الفئة من المجتمع على أنها بلا أصل، وبناء على هذا المعيار يتم تحديد التعامل معهم، وطالما اعتبر المجتمع المهمشين بدون أصل، ومن ثم ينبني على ذلك حرمانهم من كثير من الحقوق الاجتماعية، فليس لهم الحق في مناقشة قضاياهم المجتمعية، كما أنهم فقط موجودون لخدمة الآخرين، وربما يساوونهم بالحيوانات فقط.

تحرم بعض الممارسة المجتمعية -لاسيما من بعض المناطق القبلية والإقطاعيات- على المهمشين امتلاك الأراضي أو حيازتها، وتسمح لها فقط بالعمل فيها، على أن يدفعوا لملاكها جزءًا من ريعها. كما أنهم في العادة لا يمتلكون أي وثائق إثبات شخصية، وهو ما يعرقلهم في الأساس من عملية شراء الأراضي.

يتعرض كثير من المهمشين للتعذيب والضرب والإهانات، في ظل صمت القانون وأجهزة الدولة التي تتواطأ مع هذا العنف الموجه ضدهم، كما أن الأمر يصل إلى اغتصاب ممنهج، ويشمل الذكور والإناث من المهمشين، كما أن النظام القضائي والأمني يتهاون كثيرا مع الجناة؛ لأن المجني عليه -غالبا في هذه الحالة- ليس إنسانا وفق هذا المنظور العنصري الذي يساعد على استفحال الجرائم الموجهة ضدهم، وفي حالات كثيرة بحسب المنظمات المعنية برصد الانتهاكات ضد المهمشين، يتم إبلاغ الأمن والأجهزة القضائية ولكنها لا تحرك ساكنا؛ بسبب أن المجني عليه من فئة المهمشين.

إن الأمر لا يقتصر على التحرش الجنسي والشتم والتعذيب والاغتصاب فحسب، بل إنه يأخذ أبعادا أكبر، حيث لا يكتفي الجناة بأعمالهم المشينة تلك، ولكنهم يتهجمون على منازل المجني عليهم ويدمرونها أحيانا، ويجبرون أهلها على الرحيل.

معاناة المهمشين من الحرب الحالية:

إذا كان النزاع قد أطاح بحياة جميع اليمنيين فقد أثر على المهمشين وعلى فئات أخرى ضعيفة بطرق غير متناسبة، وتُظهر الحالات التي وثقها خبراء الأمم المتحدة أن المهمشين أثناء البحث عن آليات للتغلب على آثار النزاع في حياتهم، تعرضوا لمخاطر إضافية، مثل: العمل بالقرب من الخطوط الأمامية، أو الانتقال إلى مناطق غير صالحة للسكن، أو الانضمام إلى جماعات مسلحة مختلفة. ناهيك عن مخاطر أخرى خطيرة، يتعلق بعضها بمحنة الحرب بشكل عام، ويرتبط بعضها الآخر بكونهم يتعرضون للانتهاكات المتعمدة المتعلقة بكونهم ينتمون إلى مجتمع المهمشين، وهو ما يضاعف التكلفة عليهم، ويجعل من حياتهم جحيما لا يطاق.

ومن الانتهاكات التي سببتها الحرب ضدهم إزالتهم بشكل متعمد من كشوفات المساعدات الإنسانية؛ بسبب انتمائهم لهذه الفئة الاجتماعية، كما يتم إزاحتهم من وظائفهم ذات الأجور المتدنية أصلا، وهي تلك الوظائف التي ظل المجتمع يبتعد عنها، كأعمال النظافة وغيرها من الأعمال التي يصنفها المجتمع على أنها وظائف دونية.

وكذلك تم تهجير مجموعات كبيرة من المهمشين بسبب الصراع في عدن، وتعز، والحديدة، لكنهم عانوا في الوصول إلى مخيمات النازحين داخلياً أو إلى الملاجئ في المؤسسات العامة مثل المدارس؛ بسبب العنصرية من قبل النازحين الآخرين. كما أن نساء المهمشين أكثر تعرضاً للعنف الجنسي والتحرش من قبل المقاتلين، خاصة عند نقاط التفتيش.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن من أهم الآثار المباشرة للصراع على فئة المهمشين، هو عملية تجنيدهم في مختلف الجبهات المشتعلة، وبحسب ما سجله الخبراء من حالات موثقة وصلت إليهم، فهناك من تم تجنيدهم قسرا في الجماعات المسلحة، وآخرون قد انضموا طوعا إلى تلك الجماعات؛ رغبة في الحصول على الحوافز المادية، كما يسجل التقرير أيضا حالات الاعتقال التعسفي والاختطاف والضرب والتعذيب التي تنتهي –غالبا- بالموت من قبل مختلف الأطراف، فإذا كانت الحرب قد استقطبت الأطفال وغيرهم من الفئات الضعيفة في المجتمع إما بالقوة والترهيب، وإما بالترغيب بالحوافز المالية، فإن المهمشين يقعون على سلم هذه الفئات المسحوقة التي يمكنها الاستسلام لإرادة الجماعات المسلحة المتصارعة.

وقد أصدر الاتحاد الوطني للمهمشين، تقريرا تفصيليا رصد فيه الانتهاكات الحاصلة ضد هذه الفئة منذ العام 2015 وحتى هذا العام  2019 ، وقد شملت تلك الانتهاكات عمليات القتل والإصابة لعدد من أفراد الفئة، (بينهم أطفال ونساء وشيوخ)، والاختطافات والتهجير القسري، والهدم للمساكن، كما تعرض بعض أفراد الفئة للمعاملات اللاإنسانية والمهينة، والتنكيل من بعض الجماعات القبلية والبلطجية المدعومة من السلطة الحكومية وجماعة الحوثيين، وكذلك قيام قيادة المجلس الانتقالي من خلال وصف المهمشين “الأخدام” بالمرتزقة، مما يعتبر دعوة إلى التحريض على العنف والكراهية والإبادة الجماعية ضد فئة المهمشين.