من هم الإسماعيليون؟
يعد الإسماعيليون ثاني أكبر جماعة شيعية مسلمة بعد الاثني عشرية، وقد شهدوا تاريخا مليئا بالأحداث، يعود في قدمه إلى منتصف القرن الثاني الهجري – الثامن الميلادي من الفترة التكوينية للإسلام، ثم انقسموا إلى عدد من الفروع الرئيسية والمجموعات الثانوية، ويعرف اليمن الحديث من هذه الفرق فرقتين رئيسيتين: الإسماعيليين الداوودية (البهرة)، والإسماعيليين السليمانية (المكارمة).
عندما احتل ابن الفضل صنعاء في عام 293هـ – 905– 906م ووقعت اليمن كلها تقريباً تحت سيطرة الإسماعيليين، لكنهم فقدوا لاحقاً معظم الأقاليم التي فتحوها؛ لتؤول إلى الإمامة الزيدية والسلالات الحاكمة المحلية الأخرى .ومع موت ابن حوشب عام (302هـ -924 م)، وانهيار الدولة الإسماعيلية في اليمن، استمرت الدعوة الإسماعيلية بشكل هادئ وساكن لأكثر من قرن من هذه الفترة المظلمة من تاريخ الإسماعيلية اليمنية، حيث استمرت الدعوة اليمنية بتلقي الدعم السري بشكل أكبر من القبائل المختلفة، وخاصة قبيلة همدان، وتم الحفاظ على أسماء رؤساء الدعاة اليمنيين فقط .وفي عهد الخليفة الفاطمي الإمام الظاهر (411-427هـ الموافق1021-1036م)، وبينما كان الزيديون والسلالات الحاكمة المحلية الأخرى يحكمون اليمن تم تخويل الداعي سليمان بن عبدالله الظواهي بقيادة الدعوة اليمنية وكان يقيم في المنطقة الجبلية من حراز. وقد اختار سليمان علي بن محمد الصليحي خليفةً له وهو ابن قاضي حراز وقائد همداني مهم من عشيرة يام، وأصبح مساعد الداعي. وفي عام 429هـ – 1038م ارتفع شأن الداعي علي بن محمد الصليحي في مزار، وهو موقع في حراز، حيث بنى حصونا ليضع علامة تأسيس سلالة الصليحيين الإسماعيلية الحاكمة. بدأ علي بن محمد على الفور وبدعم أكبر من قبيلة همدان وقبائل حمير والقبائل اليمنية الأخرى بفتح سريع لليمن، وفي عام 455هـ – 1963م قام بإخضاع كامل اليمن. وبعد الاعتراف بسيادة الإمام الخليفة الفاطمي اختار عليُّ صنعاء عاصمة له، وأقر الخطبة باسم الإسماعيليين الفاطميين في أرجاء الأراضي الخاضعة لحكمه. ومن هنا أصبحت الإسماعيلية في اليمن ليست طائفة دينية فحسب، ولكنها دولة مكتملة الأركان استمرت فترة من الزمن.
وفضلا عن حراز وإب في اليمن، هناك إسماعيليون في نجران، وهي منطقة سهول خصبة تمتد على الحدود السعودية مع اليمن، وقد دخلت ضمن حُكم السعودية في عام 1934. وهي المركز الروحاني للسليمانية الإسماعيلية التي يبلغ تعداد أتباعها (جمهورها) مئات الآلاف، كما تُعد نجران مركز الداعي المطلق لفرقة السليمانية الإسماعيلية. ويعود وضعها هذا، في ظل بعض الاستثناءات، إلى عام 1640. ويعيش أتباع الإسماعيلية في نجران منذ أكثر من ألف سنة، وكانوا أحد المذاهب الإيمانية الكثيرة التي تواجدت في بدايات الإسلام، ويرتبط الإسماعيليون في نجران بعلاقات اجتماعية ودينية ببقية الإسماعيليين في اليمن أو خارجها كالهند وباكستان وبقية مناطق العالم.
ينقسم الإسماعيليون في اليمن إلى طائفتين رئيسيتين: طائفة الدَّوَدْ (البهرة)، نسبة إلى (داود بن قطب). والطائفة السليمانية (المكارمة نسبة إلى عائلة المكرمي في نجران)، وقد كانت الفرقتان فرقة واحدة تسمى بالطيبيين الذين يعتقدون أن خط أئمتهم باق متواصل في ذرية الطيب، ولكن الأئمة في غيبة، ويتولى الداعي المطلق قيادة شؤون الدعوة الطيبية وجماعتها. وكما هو الحال في نظام الإمامة فإن كل داع مطلق ينص قبل وفاته على خلفه. وحافظ الطيبيون في الفترة اليمنية من تاريخهم على وحدتهم في اليمن، وكسبوا أعدادا متزايدة من المستجيبين إلى مذهبهم في غرب الهند من أصول هندوسية، وعرفوا باسم “البهرة” الذي يُظن أنه مشتق من مصطلح “فوهرفو” الغجراتي الذي يعني “يتاجر”؛ لأن انتشار الدعوة في الأساس بدأ بين جماعة غجرات التجارية. فبعد وفاة الداعي المطلق السادس والعشرين داؤد بن عجبشاه سنة 1589م / 997هـ وقع نزاع على خلافته أدى إلى الانقسام الداوودي – السليماني في الجامعة الطيبية المستعلية وجماعته. وعلى الرغم من وجود أتباع للطائفتين في اليمن فإن الوجود الأبرز هو للطائفة الداوودية أو البهرة، الذين يمتلكون كثيرا من المزارات والمواطن المقدسة التي تستقطب أتباع الطائفة من مناطق مختلفة حول العالم إلى اليمن.
السياسة والدين واندماجهم في المجتمع:
لا توجد إحصاءات رسمية تبين عدد الإسماعيليين، لكن بحسب تصريح شیخ الطائفة الإسماعیلیة في الیمن أحمد علي عبدالله المحلة في حدیث لـ”المشھد الیمني” فإن عدد أتباع الطائفة في الیمن یصلون إلى نصف ملیون إسماعیلي (السلیماني والداودي) یتمركزون في حراز بصنعاء، ومنطقتي عراس والعدین في إب، وفي وائلة بصعدة، وفي منطقة ھمدان، وھم قلیلون، بيد أن هذه التقديرات تفتقر إلى التأكيد الرسمي، فضلا عن أنها تبدو أقرب إلى المبالغة أو أنها جزء من التوظيف السياسي، وبحسب ما توصل إليه باحثو مركز إنصاف من معلومات بعد التواصل مع شخصيات فاعلة في المجتمع الإسماعيلي في اليمن، فإن تقديرات الإسماعيليين تصل إلى 68229 شخصا على النحو الآتي: 50000 في منطقة حراز، نصفهم من المكارمة، والنصف الآخر من الداوودية، و15000 في منطقة عراس في يريم بمحافظة إب، وجلهم من المكارمة، و 3000 في مديرية العدين. و184 شخصا في قرية طيبة في همدان، و45 في قرية الأمير. وينبغي الإشارة هنا إلى أن هناك عددا من الإسماعيليين يسكنون العاصمة صنعاء لكنهم محسوبون في الأصل على منطقتهم في حراز أو بقية المناطق التي مازالوا مرتبطين بها.
أما اندماجهم الاجتماعي فلا يكاد يذكر إلا في جانب البيع والشراء، أما عملية الزواج فيتم بين أبناء الطائفة نفسها. وهم لا يتدخلون بالسياسة، ولهذا فعلاقتهم جيدة بالحكام، وينصب كل اهتمامهم على الأمور الدينية والخيرية والعمل في التجارة. إذ يقومون بأنشطة مجتمعية مختلفة، حيث تبنوا حملات نظافة شوارع صنعاء عام 2015 وتكفلوا بأجور العاملين فيها، وأطلقوا في 2018 مبادرة لاستبدال أشجار البن بالقات في معقلهم الرئيسي بمنطقة حراز بأمر من سلطانهم الحالي مفضل سيف الدين، كما أن نشاط البهرة الاقتصادي والمجتمعي لا ينحصر على اليمن فحسب، بل إنهم مساهمون في هذا النشاط الاجتماعي أينما وجدوا حول العالم.
ويرأس الطائفة الداودية (المفضل بن محمد برهان الدين) الذي يعد الداعي الـ 53، وتتواجد الآن هذه الطائفة في منطقة حراز التي تبعد عن صنعاء 90كم تقريبا، وفي القرى المجاورة لها، حيث يوجد الضريح الخاص بدعاتهم، الذي يتوافد إليه كل عام عشرات الآلاف من أتباع البهرة “الداوديين” في منطقة حراز، ومن هذه الأضرحة ضريح حاتم بن إبراهيم الحامدي وغيره من الأضرحة. كما يوجد في صنعاء مركز ديني خاص بالطائفة الإسماعيلية الداوودية في منطقة حدة ويسمي بـ(الفيض الحاتمي)، والإسماعيلية المكارمة لديهم جامع في (نقم) يقيمون فيه شعائرهم مثل بقية مراكزهم في كل أنحاء العالم.
الانتهاكات التي تعرض لها الإسماعيليون في اليمن:
تعرض الإسماعيليون بشكل عام، والإسماعيلية في اليمن بشكل خاص إلى انتهاكات وعنف مستمر ومتواصل حتى اللحظة، ساعد على ذلك موجات من التشويش والتشويه المتواصل والممنهج من قبل الطوائف والفرق والجماعات الدينية الأخرى، وهذا التشويه يعود إلى جملة من الأسباب -كما يذكرها الباحث أحمد عبد سيف عن هذه الطائفة-، منها: الفرقة والاختلاف الداخلي المستمر بين الطائفة نفسها من وقت إلى آخر، كذلك التستر والتقية التي تبعث على الغموض وتثير التساؤلات، أيضا وجود شطحات فلسفية وفكرية أبقت مشاريعهم الفكرية غير منشورة ولم يطلع عليها عامة الناس، وأخيرا استمرار الاستهداف السياسي لهذه الجماعة من قبل الدويلات والجماعات الدينية المتلاحقة.
ونتيجة للنظرة العدائية والشحن والتحريض تجاه أتباع هذا المذهب فالإسماعيليون تعرضوا على مدى التاريخ إلى القتل والإبادة بالآلاف، حيث قتل أكثر من 50 ألف من أبناء هذه الطائفة من قبل المذهب الزيدي أيام عبدالله بن حمزة، ويحيى بن حمزة، والمتوكل، وحميد الدين، وغيرهم، وتعرضت الطائفة في الفترة الأخيرة لكثير من الانتهاكات، كانت أولاها من قبل بعض الخطباء التابعين لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) الذين كفّروا المنتمين إليها، وثانيها من قبل الحوثيين، حيث قاموا في 2019 م بالتعدي على المصلين الإسماعيليين داخل المسجد.
كما أن الحرب كانت السبب في وجود بيئة خصبة للجماعات المتطرفة التي تعادي كل من يختلف معها دينيا، فقد وضعت كثيرا من العراقيل أمام هذه الطائفة لمنعها من ممارسة طقوسها كزيارات الأضرحة في كل من حراز وجبلة، التي يأتي إليها أتباع الطائفة من مناطق مختلفة من داخل اليمن أو خارجه، ولذا فقد أصبح من المستحيل على كثير من البهرة من خارج اليمن، أو من المتواجدين في مناطق بعيدة عن العاصمة صنعاء، لاسيما المناطق الجنوبية، أن يتمكنوا من تأدية طقسهم المعتاد، بسبب إغلاق مطار صنعاء من قبل قوات التحالف العربي، فضلًا عن العراقيل التي يواجهها المسافرون برًا من المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عبدربه منصور هادي، إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، ناهيك عن الانتهاكات المباشرة التي يتعرضون لها، وتهدد حياتهم وحريتهم وممتلكاتهم.
فقد طال البهرة نصيب من تداعيات الحرب المستمرة في اليمن منذ آذار/مارس 2015، التي دفعت كثيرا من أبناء الطائفة إلى مغادرة البلاد. ففي عام 2015، فُجرت سيارة مفخخة أمام مركز الفيض الحاتمي بصنعاء، ما أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص على الأقل، وهو المركز الذي سبق أن داهمه الحوثيون وأغلقوه. وفي عدن، أفلت رجل أعمال من البهرة وابنه من محاولة اختطاف نفذها متطرفون إسلاميون عام 2015. واعتقلت قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية عددا من أتباع الطائفة اليمنيين القادمين من الهند، قبل أن تفرج عنهم بعد ذلك، كما تم تفجير مسجد الخواجة في عدن التي شهدت آخر الانتهاكات في عامنا هذا 2019م، حيث قام مسلحون بتهديد صاحب مطعم (ريمي) وهو أحد المطاعم المشهورة بمنطقة كريتر بدفع مبلغ مالي أو أن يتم إغلاقه. إن هذا التضييق والملاحقة والانتهاكات أدت بكثير منهم إلى مغادرة اليمن خوفا على أنفسهم وأملاكهم من الجماعات المتطرفة التي تنشط في ظل الانفلات الأمني وعدم وجود الدولة التي يجب عليها حماية الأقليات.