نبذة تاريخية عن المسيحية في اليمن:
تمكن البيزنطيون من تأمين موطئ قدم لهم على ساحل غرب اليمن في وقت مبكر تقريبا (435-515 م) فوفقا لما بينه Philostorgius فقد حصل الإمبراطور قسطنطين الأول على تصريح من الملك الحميري أبي كرب أسعد الكامل ببناء ثلاث كنائس، واحدة في عدن، وواحدة في ظفار، والثالثة في بلدة غير محددة عند مدخل الخليج العربي بيد أنه قبل هذا التاريخ لا يوجد أي دليل تاريخي واضح على الوجود المسيحي قبل الدولة الحميرية. إلى جانب وجود غموض متعلق بوجود الحميريين المسيحيين، كما أن تاريخ الحملة الإثيوبية متقطع ولا يقدم أي تفاصيل حول المراحل الأولية من رحلتهم إلى جنوب الجزيرة العربية، إذ تذكر المراجع بشكل واضح أن الملك الحميري قد هُزم من قبل الأحباش وأُجبر على التراجع إلى جبال اليمن. وفقًا لـMartyrium، وبعد رحيل النجاشي، هاجم الملك الحميري الجنود المسيحيين الإثيوبيين، وقتلهم وبدأ اضطهاده الممنهج لجميع المسيحيين في نطاقه كما أن الروايات التاريخية لا تقدم أي تفاصيل عن أحوال المسيحيين في مرحلة دخول الإسلام إلى اليمن أو ما بعدها، بيد أن ما بين أيدينا من وثائق يشير إلى استمرار الوجود المسيحي بسبب العلاقة التي تربط اليمن بغيرها من البلدان، لكن ليس وجودا مجتمعيا معترفا به.
المسيحية في الوقت الحاضر:
بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش فإن مسيحيي اليمن يقدر عددهم بنحو 41000 من اليمنيين الأصليين واللاجئين من الخارج، منهم مسيحيون يمنيون أصليون لا يجرؤون الجهر بمعتقداتهم، ومنهم من يتعرض للتهديد كل يوم بوصفهم مرتدين ويستحقون الموت أما تقرير الخارجية الأمريكية فيشير إلى وجود 3000 مسيحي في جميع أنحاء البلاد، معظمهم من اللاجئين أو المقيمين الأجانب المؤقتين ويعود الغموض في تحديد عدد المسيحيين بدقة في اليمن إلى عدة أسباب، أولا: عدم الوجود الرسمي لهذه الطائفة التي تنتشر إما بفعل وجود المسيحيين الأجانب، وإما بوجود المسيحيين اليمنيين الداخلين في المسيحية بشكل سري. ثانيا: التطرف الذي زادت حدته في السنوات الأخيرة في اليمن لاسيما مع وجود الحرب الأهلية التي أذابت وجود الدولة وأظهرت كثيرا من المليشيات المسلحة المتطرفة التي ترفض وجود الآخر المختلف معها دينيا.
ويوجد بعض الجمعيات والمنشآت المسيحية التي تقدم الخدمات من قبل جهات مختلفة، منها الكاثوليك الرومان والبروتستانت والأرثوذكس في جميع أنحاء صنعاء وعدن ومدن أخرى دون تدخل من الحكومة. وقد كانت الخدمات المسيحية واليهودية تُعقد بانتظام في منازل أو منشآت خاصة، مثل المدارس، دون مضايقة لكن الأمر تغير لاحقا.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد حاليا سوى أربع كنائس فقط، فقد كانت اليمن في السابق مهد المسيحية في الجزيرة العربية، وقد انتشر فيها كثير من الكنائس، ككنيسة القُلَّيس في العاصمة صنعاء التي بناها أبرهة الحبشي أثناء التواجد الحبشي في اليمن، كما توجد في وسط اليمن اليوم قرية “ماريا” المسيحية التي تم تعديل اسمها إلى “حامية القرية ماريا” قرب عاصمة الحميريين “ظفار” (100 كلم جنوب العاصمة صنعاء). وتتبع القرية نمط بناء الأديرة الحصينة القديمة، ويقال إن تاريخ بناء هذه القرية يرجع إلى القرن الخامس الميلادي لتكون أقدم أثر مسيحي قائم في اليمن والجزيرة العربية، كما توجد بقايا كنيسة في جزيرة سقطرى في منطقة تدعى السوق.
وتخلو العاصمة اليمنية صنعاء من أي وجود للكنائس، ولهذا فإن المسيحيين يمارسون طقوسهم الدينية في بيوت خاصة، وحتى هذه اللحظة مازال المركز في حالة بحث ورصد لهذه الأقلية المسيحية في اليمن.
حاليا يوجد 4 كنائس في مدينة عدن من بينها الكنيسة الواقعة في مدينة التواهي التي يسميها أهل المنطقة رأس مربط، نسبة إلى اسم المنطقة، وكانت تدعى كنيسة سانت أنتوني، ويرجع إنشاؤها إلى فترة الوجود البريطاني في عدن منتصف القرن الماضي، ويوجد في الكنيسة مركز طبي ملحق بها يقدم الخدمات الصحية لليمنيين، أما في مدينة كريتر في عدن فهناك كنيسة البادري أو الكنيسة المعمدانية التي تقام فيها أنشطة ثقافية ومزارات فقط، وكانت تسمى كنيسة “سانت ماري جاريسن” ناهيك عن كنيستين أخريين هما: (البنجسار) و(حافون)، وقد تم إغلاقهما.
الانتهاكات ضد مسيحيي اليمن:
كانت ريدان عاصمة الدولة الحميرية تخضع لحكم الملك الحميري المؤيد للأحباش الذين كانوا يدينون حينها بالمسيحية، وقد أبدت مقاومة عنيفة ضد قوات الملك يوسف أسار (ذو نواس)؛ لذلك لم يقتحمها عنوة بل وجه كتابا إلى الأحباش في هذه المدينة يعرض عليهم الأمان إذا ما غادروا المدينة؛ لذا صدقوا ما جاء في هذا الكتاب فخرج قائدهم (أبو الإباء) ومعه قسهم الأكبر وثلاثمائة رجل. لكن الملك يوسف أمر بقتلهم، أما الذين بقوا داخل المدينة فأحرقوا داخل الكنيسة ويبلغ عددهم (280) لكن النقوش لم تتحدث عن تفاصيل الاستيلاء على ظفار (ريدان)، واكتفت بذكر حرق الكنيسة والقضاء على الأحباش، وقد شمل اضطهاد النصارى وإحراق كنائسهم مناطق مختلفة في حضرموت ومأرب ونجران كما أن تنكيله بأهل نجران ناتج عن اعتقاده بأنهم عملاء للأحباش، حيث كان في جيشه عدد من الوثنيين، ومن نصارى اليمن.
إن جذور الانتهاكات لا تعود إلى توجه الدولة فحسب، بل إلى التوجه العام للمجتمع الذي يسمى محافظا، ويرفض الاختلاف ويعتبره تهديدا لوجوده، فالمسيحيون لا يواجهون اضطهادًا صريحًا من قبل الحكومة، وإنما من التوجه الإسلامي العام للمجتمع، ومن ضمن الجرائم التي تعرض لها المسيحيون في اليمن المعاصر، مقتل الأطباء الأمريكيين الثلاثة في الكنيسة المعمدانية الجنوبية الأمريكية في مدينة جبلة في محافظة إب اليمنية، على بعد 200 كيلومتر (125 ميلا) إلى الجنوب من العاصمة صنعاء في ديسمبر 2002، وقد نسب الحادث حينها إلى تنظيم القاعدة الذي استهدف في السابق المصالح الغربية في اليمن، ثم اتجه إلى استهداف الأعمال الخيرية والأجانب بشكل عام.
كما تضمنت الانتهاكات الأخيرة هدم المقابر المسيحية والاعتداء على الكنائس وإحراقها واقتحام المراكز الخدمية والاعتداء بالقتل على العاملين فيها من الهيئات الإغائية والخيرية المسيحية.