محمد المحفلي
التوثيق هو تسجيل المعلومات وفحصها وتحليلها وأرشفتها من أجل تقديمها للباحثين والمهتمين والطلاب وصناع القرار وهو ما يترتب عليه اتخاذ سياسات واستراتيجيات وخطط محددة اعتمادا على تلك المعلومات لاحقا.
:فعملية التوثيق تمر بالتالي
أولا: الوصول إلى المعلومة وتسجيلها
ثانيا: تدقيق هذه المعلومة والتأكد من صحتها
ثالثا: تحليها ومقارنتها من خلال استقبالها من مصادر مختلفة
رابعا: إعادة صياغة تلك المعلومات في شكل تقارير أو أفلام أو غيرها من أشكال التوثيق
خامسا: أرشفتها وحفظها في سجلات أو قواعد بيانات وفق نظام محدد يسهل الرجوع إليها في أي لحظة
هذا كله يعمل على المساعدة من أجل اتخاذ القرارات الصحيحة في المكان الصحيح وفي الزمن المناسب أيضا، فإن أي خلل في الوصول إلى المعلومة أو تسجيلها أو تدقيقها أو أرشفتها أو تقديمها يترتب عليه مشكلات أخرى لاحقا
معيقات التوثيق في اليمن
أولا المعيقات الثقافية والتعليمية: حيث لا يوجد أي إدراك لأهمية هذه المسألة سواء من المجتمع بشكل عام أو من المؤسسات ولا حتى من مجتمع الأقليات. حتى مع تطور وسائل التوثيق في العصر الحديث فإن الوعي بأهمية التوثيق لم تصل إلى المستوى المطلوب وهوما يعمل على ضياع الكثير من الحقوق بسبب عدم وجود التوثيق اللازم الذي يساعد على تشكيل الرأي العام من جهة والدفع باتجاه المناصرة واتخاذ القرارات من جهة ثانية.ونتيجة مباشرة لهذا المعيق الثقافي فإنه ينبغي الإشارة إلى أمر مهم يتعلق بضعف الثقة بين مجتمع الأقليات وبين الناشطين الحقوقيين، إن لتأثر هذه المجتمعات بالدعاية المضادة التي تستعملها الأنظمة بأن الناشطين الحقوقيين عبارة عن عملاء للدول الأجنبية أو بأنهم مستفيدين ماديا من منظمات أجنبية وبأنهم يأخذون حقوق هذه المجتمعات والمساعدات الحاصلين عليها، وهذا الأمر ينعكس سلبا على مدى التعاون مع هذه المجتمعات وعدم الحصول على المعلومة الصحيحة
ثانيا المعيقات السياسية: وهي المتعلقة بإدارة الأنظمة القمعية البوليسية سواء من قبل أجهزة الدولة في الماضي أو من قبل أجهز المليشيات المتصارعة حاليا والتي تسعى إلى طمس أي أدلة على انتهاكات سواء كان ضد الأقليات أو أية انتهاكات أخرى كما أنها تسعى إلى تشكيل رؤية معينة كما تريدها هي أن تظهر للمجتمع المحلي والدولي. على سبيل المثال كانت السلطات اليمنية وبحسب بيانها في الأمم المتحدة تصرح بانه لا يوجد مجتمع مهمشين في اليمن وأن الناس في اليمن على مستوى واحد من التعامل وهو الأمر الذي يفتقر للمصداقية ويتعارض مع الواقع. كما أنه سيعمل على تكريس التهميش ووضع الفوارق بين المواطنين ومن ثم تطبيع هذا التهميش وجعله أمرا مقبولا حتى من فئات مجتمع الأقليات ذاتهم
ثالثا: المعيقات اللوجستية: حتى لو أرادت بعض المنظمات أن تستغل الممكن من أجل التوثيق فإن هناك صعوبات في الوصول إلى الضحايا بسبب ضعف البنية التحتية مثل غياب الخدمات الأساسية والإنترنت وضعف التأهيل للعاملين في هذا المجال
تقرير عن الأقليات في اليمن
محاولة للتوثيق… محاولة للدفاع عن الأقليات
نظرا لإدراكنا لأهمية المعلومة بوصفها الأرضية التي يمكن أن نبني عليها أي فعل قادم كان نشاط مركز إنصاف الأول يتمثل في إخراج هذا الكتاب، ومن ثم يمكننا بعد ذلك أن نمر على اتجاهات مختلفة، منها ما يتعلق بالحفر رأسيا في البحث عن المزيد من المعلومات عن كل أقلية ومنها ما يتعلق بالعمل على مشاريع أخرى تهدف إلى الدفاع عن حريات هذه الأقليات وضمان حياة كريمة غير منقوصة بوصف كل فرد في هذه المجتمعات هو فرد في المجتمع اليمني بشكل عام
ثغرات تاريخية
مراجعنا لكتابة هذا التقرير
اعتمدنا في كتابة التقرير على المصادر التالية
أولا: الكتب والأبحاث العلمية، ولكن للأسف فإن النتاج الأدبي في هذا الجانب قليل جدا، وأن ما وصل بين أيدينا من كتب أو أبحاث يناقش وضع الأقليات يفتقر إلى البحث العميق في مجتمع الأقليات أو أنه يبحث حول خصائص معينة أو ظواهر محددة، بمعنى أن مصادر البحث الموجودة عن الأقليات إما أنها تحمل الطابع العام ومن ثم تتناقل المراجع من بعضها أو أنها تبحث بشكل تفصيلي في نقطة محددة، فضلا عن وجودة ثغرات تاريخية أو فجوات لا يوجد فيها أي معلومات موثقة عن مجتمع الأقليات لا سيما حين يتعلق الأمر بالتطور التاريخي لمجتمع الأقليات كما هو الحاصل مع اليهود والمسيحيين وكذلك الإسماعيليين
ثانيا التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والمحلية، وعلى كثرة التقارير الصادرة فإن الأقليات لها وضع الأقلية في تلك التقارير وإنها حين تناقش مسألة ما فإنها تتكرر في بقية التقارير، بحيث لا يوجد بشكل محدد تقارير شاملة تتناول الأقليات وتصف وضعها في اليمن
ثالثا: المقالات الصحفية، وتكمن المشكلة مع هذا النوع من المقالات هو أنها في أغلبها تنتمي إلى أطراف الصراع ومن ثم فإن هذه المقالات في أغلبها جزء من الحرب الإعلامية بين الأطراف وهو ما يجعلنا في تحد كبير للوقوف أمام هذه المقالات وفحصها أولا للتأكد من مدى مصداقية ما فيها من معلومات ومن ثم نقدها قبل الأخذ منها
رابعا: المصادر الخاصة بالمركز فمن خلال شبكة العلاقات التي نسجها المركز مع الأقليات داخل اليمن أمكننا الوصول إلى بعض المعلومات الخاصة عن تلك الأقليات لا سيما فيما يتعلق بوضعها المعاش حاليا وبالتحديات التي تواجههم
ويمكن القول إن القيمة التي يضفيها هذا التقرير للعمل الحقوقي في اليمن أنه أول منشور يتناول بشكل مركز نوعا ما وضع الأقليات في اليمن، وهذا لا يعني أنه عمل كامل ولكنه يمثل البداية باتجاه التأكيد على عملية التوثيق وتسجيل المعلومات الدقيقة التي ستساعد الدارسين والمانحين والخبراء من أجل وضع الخطط لمواجهة المشكلات التي تعاني منها تلك الأقليات بما يعمل في الأخير على حمايتهم والدفاع عن حرياتهم
تبويبات الكتاب
انقسم الكتاب بحسب الأقليات الموجودة في اليمن إلى التالي
المهمشون
اليهود
الإسماعيليون
البهائيون
المسيحيون
وقد بحثنا بداخل كل قسم من هذه الأقسام بحسب التفاصيل التالية
أولا: تعريف بالأقلية
ثانيا: موجز تاريخي عن الأقلية في اليمن، وكيف تحولاتها، بعض الأقليات كانت هي المسيطرة أو الأكثرية مثل اليهودية والمسيحية في وقت من الأوقات
ثالثا: الوضع السياسي والاجتماعي للأقلية حاليا
رابعا: الانتهاكات التي تتعرض لها الأقلية
خلاصة التقرير عن وضع الأقليات
لقد بين التقرير أن هناك عامل مشترك لوضع الأقليات في اليمن هي أنها تقع في موقع الضحية دائما، وأن سلوك الانتهاكات التي تمارس ضد الأقليات تنطلق من سلطات مختلفة، السلطة الدينية والسلطة والسياسية والسلطة الاجتماعية
بمعنى أن الانتهاكات ضد الأقليات لها ما يبررها وما يسوغها وما يدافع عنها وهو ما يجعل من هذه الانتهاكات جزءا أساسيا من بنية المجتمع وأنها تمارس كفعل طبيعي وليس كفعل منبوذ أو غير مرغوب فيه
فتعمل السلطة الدينية على إعطاء الغطاء الديني لممارسة الانتهاكات ضد الأقليات منذ الماضي وحتى اللحظة ضد الأقليات الدينية، فمنذ الانتهاكات التي مارستها السلطة الدينية اليهودية التي كانت تحكم اليمن ضد المسيحيين في الماضي، إلى السلطة الدينية التي تدعي الإسلام الآن وهي تحكم صنعاء وتمارس فعل العنف ضد البهائيين
لقد مارست هذه السلطات الدينية الغطاء الديني بانها تحمي الدين من هذه الأقليات بوصفها خطر على العقيدة وهذا الأمر يعطي الأتباع من المواطنين الشرعية اللازمة لهذه الانتهاكات
أما السلطة السياسية فإنها تعمل على استغلال السلطات الأخرى من أجل تحقيق مصالحها والتي تختلط غالبا بالسلطة الدينية، ولأن رجال الدين غالبا هم الأداة للسيطرة على الشعوب فغالبا ما يتم اتخاذ هذه الأقليات ذريعة لفشل هذه السلطات السياسية ومن ثم يتم الهجوم على الأقليات واتهامها بأنها جزء من مؤامرة سياسية أو جواسيس مثلما يتهم الحوثيون الآن البهائيين واليهود أيضا
السلطة الاجتماعية تظهر بشكل واضح وفعال فيما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرض لها المهمشون وهم الأقلية الذين يطلق عليهم الأخدام من سمر البشرة والذي قد يصل تعدادهم إلى 2 مليون نسمة تقريبا
وهنا يبدو الأمر أكثر صعوبة، فنحن نتعامل مع أنساق ثقافية غير ظاهرة، ولكنها موجودة في العقل الباطن للناس فهم يتعاملون مع المهمشين بصورة عنصرية ولكنهم لا يدركون أن هذا العمل عنصري أو منبوذ لأنهم عاشوا وتربوا وتعلموا واستسقوا سلوكيات العنصرية ضد المهمشين من داخل المجتمع عبر القرون حتى صارت العنصرية ضد المهمشين جزء من الثقافة يصعب السيطرة عليها أو تغييرها بسهولة
إن الأمر يتعدى مسألة التثقيف والتوعية، فعلى الرغم من الثقافة الدينية التي تحث على المساواة وعلى أن الناس كلهم سواسية وأنه لا فضل لأبيض على أسود فإن المجتمع نفسه الذي يؤمن بهذه المبادئ يمارس فعل العنصرية بكل أريحية ودون اي شعور بالذنب. ذلك أنه لا تعبر المهمشين جزء من البشر أصلا فهو يفهم المساواة بين الأكثرية نفسها لا بين الأكثرية والأقلية. إذا نحن أمام معضلة حقيقية ونحتاج لاستراتيجيات وطنية لتغيير الوعي والثقافة الاجتماعية وإعادة بناءها من جديد
هذه الورقة ألقيت في الندوة التي نظمها مركز إنصاف في النادي السويسري للصحافة 5 مارس 2020 جنيف