تزيد المعارك من فداحة الكلفة على المواطنين اليمنيين، ولكنها تزيد بشاعة حين يتعلق الأمر بالأقليات التي تصبح ورقة بأيدي المليشيات التي لا تعترف بالقانون ولا بالتعامل المدني فتعمل على تحويل المنتمين لهذه الأقليات إلى أوراق للابتزاز والحصول على مكاسب سياسية أو عسكرية، فتسعى إلى محاولة وضعهم في ميزان المقايضة السياسية في أي اتفاقات تلعبها مع الحكومة.
وقد رصد مركز إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات خلال الأيام الماضية ما تقوم به مليشيات الحوثي من تحرك قانوني يسعى باتجاه المزيد من الضغط على البهائيين المعتقلين في سجونها منذ سنوات. حيث عادت لتحريك ملف المحاكمات التي ظلت متوقفة لأكثر من عام، إذ عقدت المحكمة الجزائية المتخصصة يوم الخامس والعشرين من يناير المنصرم عقد جلسة محاكمة 24 بهائيا بتهم جسيمة عقوبتها الإعدام بحسب القانون اليمني.
وتشوب هذه المحاكمات العديد من المخالفات القانونية التي تزيح عنها مبدأ العدالة، حيث لم تحدد المحكمة موعد الجلسات بدقة مما يشير إلى أن المحكمة تسعى إلى جعل تلك الجلسات سرية، كما لم يتم تزويد المحامين بملف القضية ناهيك عن منع المحامين من مقابلة المتهمين أو الجلوس معهم.
الردة عن الإسلام ونشر البهائية والتخابر مع إسرائيل هي التهم التي يزج أتباع الطائفة البهائية خلف القضبان، وهي تهم كفيلة بإعدامهم، ويبدو أن المليشيات تسعى من خلال حراك الأحكام هذه إلى جعل هذه القضية ورقة في يد المساومات السياسية ولو كان على حساب أبناء هذه الأقلية الذين يعانون الويل في سجون الحوثيين.
والأمر لا يختلف فيما يخص أقلية المهمشين التي تعيش هي الأخرى حالات من الانتهاكات المتكررة والتي تزيد حدتها مع ضياع أدوات الدولة وإمكانياتها القانونية والمدنية. إذ تعمل على تجنيد بعضهم وتلقي البعض الآخر في غياهب السجون لأسباب عنصرية.
وتبرز في هذا الجانب قضية المتهم المهمش فواز أحمد سويلم وزوجته وعائلته، حيث قضت المحكمة الواقعة تحت تصرف المليشيات الحوثية بإعدام كل من أحمد سالم وزوجته دانية فاضل صالح ومحمد ناصر أحمد القفري وماجد ناجي علي الصهباني وعبدالله ناجي علي الصهباني وصباح محمد أحمد راجح، وهم كلهم من فئة المهمشين في محاكمة غامضة وتقتصر لأبسط مقومات العدالة، دون حضور محامين ولا حتى الطرف المدعي، في تهمة اغتصاب وقتل مزعوم في حين أن الفتاة التي يدعون أنها اغتصبت مازالت حية ترزق، ناهيك عن أن التهمة بحد ذاتها غير صحيحة، وأن القضية ذات بعد عنصري يتعلق بفرار هذه البنت إلى هذه العائلة المهمشة، وهو ما جعل الجهات الأمنية والقضائية في صنعاء تنحاز لتلك الجهات القبلية الضاغطة وتسعى إلى تجيير الحكم ليكون عقابا لهذه العائلة المهمشة ولكل من تسول له نفسه المساس بجدار الفصل العنصري بين طبقات المجتمع اليمني.
مع إدراكنا لمجمل الوضع الإنساني للأقليات في اليمن، فإننا ندرك أيضا صعوبة وخطورة ما يتعرض له أفراد هذه الأقليات الذين لا يحاصرون بقسوة الوضع الاقتصادي والإنساني فحسب ولكنهم محاصرون بأسيجة وقيود حقيقية ويهدد البعض منهم بالموت إعداما أو سجنا.
نوجه في هذا الموقف النداء إلى مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين لمواصلة الضغط على السلطات الحوثية الحاكمة في صنعاء أن تفرج عن المعتقلين البهائيين، وأن تعترف بالإجراءات القانونية فيما يتعلق بمحاكمة المهمشين دون إرساء قواعد الظلم العنصرية التي تنتهجها وفق إملاءات عنصرية قبلية لا علاقة لها بالنظام ولا بالقانون.