مركز إنصاف.
على مدى أكثر من ثمان سنوات ظل رجل الدين البهائي البارز في سجون السلطات اليمنية حيث تم اعتقاله من قبل قوات تابعة للأمن القومي في العام 2013، ثم تبعه اعتقال مجموعة من البهائيين الآخرين في الأعوام 2014 و2105 و2016 وواصلت هذه الانتهاكات التي ادت الى المحاكمات غير العادلة التي تستهدف قمع البهائيين بسب معتقدهم ليس إلا، فقد أصدرت المحكمة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في 2 يناير 2018م حكماً بإعدام حامد بن حيدرة تعزيراً ومصادرة كافة أملاكه، كما حكم بإغلاق كافة المؤسسات والمحافل البهائية في البلاد، وفي ١٧ من شهر سبتمبر 2019 طالبت شعبة الاستئناف بتأييد حكم المحكمة الابتدائية بترحيل كل من يحمل الدين البهائي في اليمن وحظر استقبال أي منهم. وفي جلسة ١ اكتوبر من العام نفسه، وقبل أن يقدم الدفاع تعقيباً على مذكرة النيابة، قررت المحكمة حجز اموال حامد والمحفل البهائي وتكليف حارس قضائي عليها. وتواصلت من قبل الحوثيين تلك الممارسات التعسفية التي تستهدف إبعاد البهائيين والسيطرة على أموالهم، قبل أن يصدر قرار من قبل مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الحوثي الأعلى يقضي بالعفو عن البهائيين، في مارس من هذا العام ولكن ذلك القرار ظل يراوح في مكانه بغية الحصول على مكاسب سياسية، حتى تم إطلاق سراح المحتجزين شريطة أن يتم إبعادهم خارج البلاد، فقد خرجوا بطائرة أممية إلى أثيوبيا في 30 يوليو 2020.
إن كل تلك المماطلة في مواصلة احتجاز البهائيين في الزنازين عكست رغبة واضحة في محاولة السلطات الحوثية الحصول على مكاسب سياسية أو مادية، بدت واضحة للعيان من خلال تلك الشروط التي تم وضعها عليهم ورغبتهم في إبعادهم خارج البلاد، على الرغم من علمهم بخطورة وضعهم الصحي والنفسي داخل السجون.
بحسب تصريح حسين العزي نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين، عبر حسابه على موقع تويتر: “تنفيذا لتوجيهات فخامة الأخ مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى تم إطلاق سراح البهائيين في لفتة كريمة جسدت الطبيعة اليمنية الميّالة للصفح والعفو والأمل كل الأمل أن يُقابل هذا الموقف النبيل بالمزيد من الالتزام والاحترام التام للقوانين النافذة ومراعاة النظام العام للمجتمع اليمني “، إذ تحاول الجماعة أن تبدو في مظهر الإنساني الذي يعفو على الرغم من إصدار أحكاماً بالإعدام، لكن هذا يغفل عدة جوانب، أولها أن يتم تأخيرهم في السجن كل تلك المدة الطويلة دون وجود أية مسوغ، ثانيها، اشتراط نفيهم خارج بلادهم وهو ما يتعارض مع كل القوانين والأعراف والشرائع ثالثها، مصير أموالهم ومكتسباتهم حيث يبدو أن السلطات الحوثية ترغب بالاستحواذ عليها.
في المقابل فقد كان موقف الحكومة “الشرعية” مخزياً إذ لم تقم بأي دور يذكر تجاه البهائيين سواء كان ذلك خلال فترة الاعتقال أو حتى بعد إطلاق سراحهم، تصريحات مختلفة سواء كانت من قبل الأجهزة الإعلامية أو من قبل وزير الإعلام معمر الإرياني نفسه، الذي خرج مغرداً في تويتر بالقول: “قيام مليشيا الحوثي المدعومة من ايران بترحيل ستة من البهائيين خارج اليمن بينهم حامد بن حيدرة زعيم الطائفة البهائية في اليمن جريمة نفي قسري لا تقل بشاعة عن جريمة اختطافهم من منازلهم وتغييبهم في المعتقلات لسنوات وتعرضهم لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي ومصادرة ونهب ممتلكاتهم”.
تعمل السلطة اليمنية من خلال هذا الخطاب على توظيف الأمر سياسياً دون وجود أية مسؤولية تجاه مواطنيها، لم يعرف لها أي دور خلال فترة الإحتجاز، ولا بعد الإطلاق، كان يفترض بالحكومة اليمنية على أقل تقدير أن تستقبل المفرج عنهم وأن تحتضنهم وأن تقدم صورة مخالفة لصورة محتجزهم.
والأمر لا يقل بشاعة من قبل الأطراف السياسية الأخرى والناشطين لاسيما أوليك الذين يقفون على الضد من مشروع الحوثي، فقد ركزت الآلة الإعلامية لتلك القوى على فكرة إخراج الحوثيين لهذه الطائفة خارج البلاد، دون النظر إلى أن هؤلاء المعتقلين كانوا أشبه بالرهائن في سجون الحوثيين، وأن هذا هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لقد تحول الأمر لدى هذه الكتلة من السياسيين إلى فرصة سانحة من أجل كسب نقاط سياسية فقط على حساب هؤلاء البهائيين الذين يريدون حريتهم بأي ثمن، فهم أناس مسالمون آمنون، يريدون سلامة حياتهم وحريتهم، في ظل وضع خطير مملوء بالأوبئة والأمراض، فقد كانت الزنازين أشبه بمحطات لانتظار الموت ليس إلا.
لقد كانت فرصة لدى هؤلاء السياسيين أن يهاجموا كل الخصوم دفعة واحدة سواء الحوثيين أو حتى الناشطين الحقوقيين والأمم المتحدة لما أسموها بالتواطؤ على الترحيل، دون أدنى اهتمام لفكرة أن هؤلاء الناس كانوا تحت حد سيف الإعدام وسيف الأوبئة الفتاكة وأن إخراجهم من السجن هو الأولوية، دون أن ننسى طبعا أن نقف بكل قوة ضد فكرة إخراج أي مواطن من بلده.
إن التوظيف السياسي للقضايا الإنسانية أشد خطراً على الإنسانية من فعل الجريمة، الجريمة أن تحتجز مواطنا لأنه يختلف معك بالدين والعقيدة، والأسوأ أن تنفيه من بلده، والأكثر سوءاً أن توظف القضايا الإنسانية لأهداف سياسية وتنظر بنصف عين للمشهد.
إننا في مركز إنصاف منذ التأسيس كنا ومازلنا على تواصل دائم مع كل الأطراف الفاعلة في موضوع البهائيين، ولم نكن نتوقع أبدا أن يتم ترحيلهم خارج بلادهم، ونحن إذ عبرنا عن سرورنا -من منحى إنساني- بخروج المحتجزين من سجونهم فإننا نستنكر أيضا إخراجهم من بلادهم، باعتبار هذا الامر تخففا من جريمة وارتكاب جريمة أخرى. ولكن حق الحياة والحرية مقدم على كل الحقوق، ونحن إذ عملنا على إطلاق سراحهم من السجن فإن هذا لن يمنعنا من مواصلة العمل من أجل حرية البهائيين داخل وخارج اليمن والمطالبة بعودتهم سالمين مرفوعي الرأس إلى بيوتهم وعوايلهم وأهلهم ووطنهم في اليمن رافضين فكرة نفيهم.