“لكلِّ
فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه”. “لا يجوز إخضاعُ
أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة”.
“لا يجوز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفًا”. “كلِّ إنسان،
على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ
ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة
جزائية تُوجَّه إليه”. “لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان
والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار
دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة،
وأمام الملأ أو على حدة”. هذه هي المواد الثالثة والخامسة والتاسعة والعاشرة
والثامنة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ففي الوقت الذي تسعى
فيه الدول إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من مواد هذه الوثيقة القانونية الدولية، فقد
أصدر الحوثيون عبر محكمة الاستئناف التي يسيطرون عليها تأييدا بحكم الإعدام في حق
الشخصية اليمنية البهائية البارزة حامد بن حيدرة الذي اعتقلته أجهزة الأمن القومي
في العام 2013 ومازال معتقلا حتى هذه اللحظة في السجون الحوثية مواجها أحكاما بالإعدام
له ولغيره من المواطنين المنتمين للديانة البهائية في اليمن. وخلال فترة اعتقاله
تعرض للضرب والإهانة والتعذيب، كما تتعرض أسرته للمضايقات والتهديد المستمر. وفي
يناير 2018 صدر بحقه حكم بالإعدام من قبل المحكمة المختصة الواقعة تحت سيطرة
الحوثيين في صنعاء، بالإضافة إلى مصادرة أموال البهائيين، وإغلاق كافة المؤسسات
والمحافل البهائية.
إن مراجعة هذا الحكم
وغيره من الأحكام والسلوكيات التي يتبعها الحوثيين يدرك خطورة انتهاك هذا الميثاق
الدولي الذي يعد الأساس الذي انبنت عليه مختلف الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق
الإنسانية الدولية والتي وقعت عليها اليمن على مدى العقود الماضية. فالأمر مرتبط
بانتهاك أهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة إضافة إلى الحقوق الأخرى
المتمثلة في الحق في الاعتقاد والحق في المعاملة بكرامة والحق في التملك وغيرها من
الحقوق التي تضمنها القوانين والشرائع والأعراف. وهذا الأمر يضع المسؤولية جماعية
سواء تجاه أبناء هذه الديانة الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد بسبب اختلافهم في
العقيدة، أو اتجاه انقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل الالتزام بهذه المبادئ الإنسانية
التي تحمي الإنسان وحقوقه المشروعة في الحياة والحرية في الاعتقاد.
وتأتي هذه الأحكام
متزامنة مع احتفالات البهائيين بعيد النوروز وهي المناسبة الأهم للمجتمع البهائي،
وهو ما يجعل هذا الحكم أشبه بالرسالة ليس لابن حيدرة فحسب ولكن لكل أبناء المجتمع
البهائي بأن الموت ومصادرة الأموال والحريات سيكون مصيرهم لأنهم اختاروا أن يكونوا
مختلفين في اعتقادهم، فبدلا من احترام مشاعر العامة من المؤمنين بهذه العقيدة وتركهم
يفرحون مع عائلاتهم أصدروا في حقهم أحكام الموت ومصادرة الأملاك.
بالقدر الذي يسمح لمركز
إنصاف من أجل متابعة هذه القضية الشائكة، والإنسانية فقد أصدرنا عدة بيانات ونداءات
إنسانية مختلفة، منها ما هو موجه للحوثيين من أجل تقدير الجوانب الإنسانية ومنها
ما هو موجه إلى المنظمات والفاعلين الدوليين من أجل ممارسة الضغوط اللازمة من أجل
رفع هذا الظلم، والإسهام المباشر في حل هذه المشكلة وغيرها مما يهدد وجود كل أبناء
هذه الديانة في اليمن. ونحن
في هذا المقام نؤكد على استهجاننا واستنكارنا الكبيرين تجاه هذا الحكم الصادر تجاه
حامد بن حيدرة وتجاه بقية أبناء الطائفة البهائية في اليمن، وإن استمرار هذه
الممارسات الظالمة لا تهدد المجتمع البهائي فقط ولكنها تهدد قيمة السلام والتعايش
داخل المجتمع اليمني ككل.
وقد أصدرت الجامعة
البهائية بيانا حول هذا الحكم، وجاء على لسان المتحدثة الرسمية باسم الجامعة
البهائية في الأمم المتحدة جنيف ديان علائي جاء فيه أن: ” الجامعة البهائية
العالمية تدين وبشدة حكم الإعدام الصادر على حامد بن حيدرة. ما لا يستوعبه العقل
هو كيف أن السلطات في صنعاء في الوقت الذي يركز فيه المجتمع الدولي أجمع على
مواجهة أزمة صحية عالمية، تركز اهتمامها على اصدار حكم بالإعدام على شخص بريء
لمجرد اختلاف معتقده، بدلا من الاهتمام بصحة وسلامة المواطنين بما فيهم
البهائيين”.
وتتهم السلطات القضائية
والأمنية الواقعة تحت حكم الحوثيين الديانة البهائية وأتباعها بأنها تابعة
لإسرائيل وأمريكا ومرجع اتهامهم هذا أن بيت العدل الأعظم وهو أهم المؤسسات الدينية
البهائية يقع في حيفا، وهو الأمر الذي يتنافى مع قيم المنطق، ذلك أن بيت العدل
الأعظم موجود في حيفا من قبل أن تنشأ إسرائيل أصلا، كما أن وجود بيت المقدس وكنيسة
القيامة واقعتان تحت الاحتلال الإسرائيلي حاليا.
وبحسب رصد منظمة إنصاف
لأحوال البهائيين الموجودين في اليمن والواقعين خارج السجون، فإن هذا الحكم قد نزل
عليهم كالصاعقة على الرغم من يقينهم المسبق بأن الحوثيين قد يقدمون على ما هو
أبشع، كما أوضح بعض المتحدثين لمركز إنصاف بأن الكثير من البهائيين قد تركوا
أعمالهم وبقوا حبيسي المنازل خوفا على أنفسهم من المجهول، فبعد هذا الحكم يتوقعون
أن يكون هناك تبعات أخرى تمس حياة وحرية جميع المنتسبين للمجتمع البهائي.
ومع
المصير المجهول الذي ينتظرهم، فإنهم يتوجهون عبر مركز إنصاف بالمناشدة إلى كل
الأحرار في العالم وإلى المنظمات الدولية والمحلية، وإلى السفراء وأصحاب الشأن ومن
لهم علاقة تربطهم بالحوثيين بأن يتم إسقاط هذا الحكم وبقية الأحكام الجائرة،
والعمل من أجل الإفراج عن المعتقلين واحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان،
والمبادرة في المؤاخاة بين أبناء المجتمع الواحد مع احترام الاختلافات العرقية
والدينية والثقافية.